فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ} يعني اليهود أي ظلموا.
{وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} أي عن اتباع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بقولهم: ما نجِد صفته في كتابنا، وإنما النُّبوّة في ولد هارون وداود، وإن في التوراة أنّ شرع موسى لا يُنسخ.
{قَدْ ضَلُّواْ ضَلاَلاَ بَعِيدًا} لأنهم كفروا ومع ذلك منعوا الناس من الإسلام.
قوله تعالى: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ} يعني اليهود؛ أي ظلموا محمدًا بكتمان نعته وأنفسَهم إذ كفروا، والناسَ إذ كتموهم.
{لَمْ يَكُنِ الله لِيَغْفِرَ لَهُمْ} هذا فيمن يموت على كفره ولم يتب. اهـ.

.قال الخازن:

قوله عز وجل: {إن الذين كفروا} يعني جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهم اليهود {وصدوا عن سبيل الله} يعني منعوا غيرهم عن الإيمان به بكتمان صفته وإلقاء الشبهات في قلوب الناس وهو قولهم لو كان محمد رسولًا لأتى بكتاب من السماء جملة واحدة كما أتى موسى بالتوراة {قد ضلوا ضلالًا بعيدًا} يعني عن طريق الهدى {إن الذين كفروا وظلموا} يعني كفروا بالله وظلموا محمدًا صلى الله عليه وسلم بكتمان صفته وظلموا غيرهم بإلقاء الشبهة في قلوبهم {لم يكن الله ليغفر لهم} يعني لمن علم منهم أنهم يموتون على الكفر وقيل معناه لم يكن الله ليستر عليهم قبائح أفعالهم بل يفضحهم في الدنيا ويعاقبهم عليها بالقتل والسبي والجلاء في الآخرة بالنار وهو قوله تعالى: {ولا ليهديهم طريقًا} يعني ينجون فيه من النار وقيل ولا ليهديهم طريقًا إلى الإسلام لأنه قد سبق في علمه أنهم لا يؤمنون {إلاّ طريق جهنم} يعني لكنه تعالى يهديهم إلى طريق يؤدي إلى جهنم وهي اليهودية لما سبق في علمه أنهم أهل لذلك {خالدين فيها} يعني في جهنم {أبدًا وكان ذلك على الله سيرًا} يعني هينًا. اهـ.

.قال أبو حيان:

{إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالًا بعيدًا} أي ضلالًا لا يقرب رجوعهم عنه، ولا تخلصهم منه، لأنه يعتقد عن نفسه أنه محق ثم يتوسل بذلك الضلال إلى اكتساب المال والجاه وإلقاء غيره فيه، فهو ضلال في أقصى غاياته.
وقرأ عكرمة وابن هرمز: وصدوا بضم الصاد، قيل: وهي في اليهود.
{إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقًا إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدًا} قيل: هذه في المشركين.
وقد تقدّم الكلام على لام الجحود وما بعدها، وأن الإتيان بها أبلغ من الإتيان بالفعل المجرد عنها.
وهذا الحكم مقيد بالموافاة على الكفر.
وقال أبو سليمان الدمشقي: المعنى لم يكن الله ليستر عليهم قبيح أفعالهم، بل يفضحهم في الدنيا ويعاقبهم بالقتل والجلاء والسبي، وفي الآخرة بالنار.
وقال الزمخشري: كفروا وظلموا، جمعوا بين الكفر والمعاصي، وكان بعضهم كافرين وبعضهم ظالمين أصحاب الكبائر، لأنه لا فرق بين الفريقين في أنه لا يغفر لهما إلا بالتوبة، ولا ليهديهم طريقًا لا يلطف بهم فيسلكون الطريق الموصل إلى جهنم، ولا ليهديهم يوم القيامة إلا طريقها انتهى.
وهو على طريقة الاعتزال في أنّ صاحب الكبائر لا يغفر له ما لم يتب منها، وإن أريد بقوله طريقًا مخصوصًا أي عملًا صالحًا يدخلون به الجنة، كان قوله: {إلا طريق جهنم} استثناء منقطعًا.
{وكان ذلك على الله يسيرًا} أي انتفاء غفرانه وهدايته إياهم وطردهم في النار سهلًا لا صارف له عنه، وهذا تحقير لأمرهم، وأنه تعالى لا يعبأ بهم ولا يبالي. اهـ.

.قال الشوكاني:

{إِنَّ الذين كَفَرُواْ} بكل ما يجب الإيمان به، أو بهذا الأمر الخاص، وهو ما في هذا المقام: {وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} وهو دين الإسلام بإنكارهم نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، وبقولهم ما نجد صفته في كتابنا، وإنما النبوّة في ولد هارون وداود، وبقولهم إن شرع موسى لا ينسخ {قَدْ ضَلُّواْ ضلالا بَعِيدًا} عن الحقّ بما فعلوا، لأنهم مع كفرهم منعوا غيرهم عن الحق {إِنَّ الذين كَفَرُواْ} بجحدهم {وَظَلَمُواْ} غيرهم بصدهم عن السبيل، أو ظلموا محمدًا بكتمانهم نبوّته، أو ظلموا أنفسهم بكفرهم، ويجوز الحمل على جميع هذه المعاني: {لَّمْ يَكُنْ الله لِيَغْفِرَ لَهُمْ} إذا استمروا على كفرهم، وماتوا كافرين {وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ} لكونهم اقترفوا ما يوجب لهم ذلك بسوء اختيارهم، وفرط شقائهم، وجحدوا الواضح، وعاندوا البين {خالدين فِيهَا أَبَدًا} أي: يدخلهم جهنم خالدين فيها، وهي حال مقدّرة.
وقوله: {أَبَدًا} منصوب على الظرفية، وهو لدفع احتمال.
أن الخلود هنا يراد به: المكث الطويل {وَكَانَ ذلك} أي: تخليدهم في جهنم، أو ترك المغفرة لهم، والهداية مع الخلود في جهنم: {عَلَى الله يَسِيرًا} لأنه سبحانه لا يصعب عليه شيء {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [يس: 82]. اهـ.

.قال السعدي:

لما أخبر عن رسالة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم وأخبر برسالة خاتمهم محمد، وشهد بها وشهدت ملائكته- لزم من ذلك ثبوت الأمر المقرر والمشهود به، فوجب تصديقهم، والإيمان بهم واتباعهم.
ثم توعد من كفر بهم فقال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ} أي: جمعوا بين الكفر بأنفسهم وصدِّهم الناس عن سبيل الله. وهؤلاء هم أئمة الكفر ودعاة الضلال {قَدْ ضَلُّوا ضَلالا بَعِيدًا} وأي ضلال أعظم من ضلال من ضل بنفسه وأضل غيره، فباء بالإثمين ورجع بالخسارتين وفاتته الهدايتان، ولهذا قال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا} وهذا الظلم هو زيادة على كفرهم، وإلا فالكفر عند إطلاق الظلم يدخل فيه.
والمراد بالظلم هنا أعمال الكفر والاستغراق فيه، فهؤلاء بعيدون من المغفرة والهداية للصراط المستقيم. ولهذا قال: {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلا طَرِيقَ جَهَنَّمَ}.
وإنما تعذرت المغفرة لهم والهداية لأنهم استمروا في طغيانهم وازدادوا في كفرانهم فطبع على قلوبهم وانسدت عليهم طرق الهداية بما كسبوا {وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ}.
{وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} أي لا يبالي الله بهم ولا يعبأ لأنهم لا يصلحون للخير ولا يليق بهم إلا الحالة التي اختاروها لأنفسهم. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّ الذين كَفَرُواْ} بما أنزل إليك، أو بكل ما يجب الإيمان به ويدخل ذلك فيه دخولًا أوليًا، والمراد بهم اليهود، وكأن الجملة لبيان حكم الله سبحانه فيهم بعد بيان حالهم وتعنتهم {وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} أي دين الإسلام من أراد سلوكه بإنكارهم نعت النبي صلى الله عليه وسلم وقولهم: لا نعرفه في كتابنا، وأن شريعة موسى عليه السلام لا تنسخ، وأن الأنبياء لا يكونون إلا من أولاد هارون وداود عليهما السلام.
وقرئ {صدوا} بالبناء للمفعول {الله قَدْ ضَلُّواْ} بالكفر والصد {ضلالا بَعِيدًا} لأنهم جمعوا بين الضلال والإضلال ولأن المضل يكون أقوى وأدخل في الضلال وأبعد عن الانقلاب عنه.
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ} بما ذكر آنفًا {وَظَلَمُواْ} محمدًا صلى الله عليه وسلم بإنكار نبوته وكتمان نعوته الجليلة، أو الناس بصدهم لهم عن الصراط المستقيم، والمراد إن الذين جمعوا بين الكفر وهذا النوع من الظلم.
{لَّمْ يَكُنْ الله لِيَغْفِرَ لَهُمْ} لاستحالة تعلق المغفرة بالكافر، والآية في اليهود على الصحيح، وقيل: إنها في المشركين وما قبلها في اليهود، وزعم بعضهم أن المراد من الظلم ما ليس بكفر من سائر أنواع الكبائر، وحمل الآية على معنى إن الذين كان بعضهم كافرين، وبعضهم ظالمين أصحاب كبائر لم يكن إلخ، ولا يخفى أن ذلك عدول عن الظاهر لم يدع إليه إلا اعتقاد أن العصاة مخلدون في النار تخليد الكفار، والآية تنبو عن هذا المعتقد، فإنه قد جعل فيها الفعلان كلاهما صلة للموصول فيلزم وقوع الفعلين جميعًا من كل واحد من آحاده، الا تراك إذا قلت: الزيدون قاموا فقد أسندت القيام إلى كل واحد من آحاد الجمع، فكذلك لو عطفت عليه فعلًا آخر لزم فيه ذلك ضرورة، وسياق الآية أيضًا يأبى ذلك المعنى لكن لم يزل ديدن المعتزلة اتباع الهوى فلا يبالون بأي واد وقعوا {وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا}.
{إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ} لعدم استعدادهم للهداية إلى الحق والأعمال الصالحة التي هي طريق الجنة، والمراد من الهداية المفهومة من الاستثناء بطريق الإشارة كما قال غير واحد: خلقه سبحانه لأعمالهم السيئة المؤدية لهم إلى جهنم حسب استعدادهم، أو سوقهم إلى جهنم يوم القيامة بواسطة الملائكة، وذكر بعضهم أن التعبير بالهداية تهكم إن لم يرد بها مطلق الدلالة، والطريق على عمومه، والاستثناء متصل كما اختاره أبو البقاء وغيره، وجوز السمين أن يراد بالطريق شيء مخصوص وهو العمل الصالح والاستثناء منقطع {خالدين فِيهَا} حال مقدرة من الضمير المنصوب لأن الخلود يكون بعد إيصالهم إلى جهنم، ولو قدر يقيمون خالدين لم يلتئم، وقيل: يمكن أن يستغني عن جعله حالًا مقدرة بأن هذا من الدلالة الموصلة إلى جهنم، أو الدلالة إلى طريق يوصل إليها فهو حال عن المفعول باعتبار الإيصال لا الدلالة فتدبر، وقوله تعالى: {أَبَدًا} نصب على الظرفية رافع احتمال أن يراد بالخلود المكث الطويل {وَكَانَ ذلك} أي انتفاء غفرانه وهدايته سبحانه إياهم وطرحهم في النار إلى الأبد {عَلَى الله يَسِيرًا} سهلًا لا صارف له عنه، وهذا تحقير لأمرهم وبيان لأنه تعالى لا يعبأ بهم ولا يبالي. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا (167)}
يجوز أن يكون المراد بالذين كفروا هنا أهل الكتاب، أي اليهود، فتكون الجملة بمنزلة الفذلكة للكلام السابق الرّادّ على اليهود من التحاور المتقدّم.
وصدُّهم عن سبيل الله يحتمل أن يكون من صَدّ القاصر الذي قياس مضارعه يصِدّ بكسر الصاد، أي أعرضوا عن سبيل الله.
أي الإسلام، أو هو من صَدّ المتعدي الذي قياس مضارعه بضمّ الصاد، أي صدّوا النّاس.
وحذف المفعول لقصد التكثير.
فقد كان اليهود يتعرّضون للمسلمين بالفتنة، ويقوون أوهام المشركين بتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم ويجوز أن يكون المراد بالذين كفروا المشركين، كما هو الغالب في إطلاق هذا الوصف في القرآن، فتكون الجملة استئنافًا ابتدائيًا، انتقل إليه بمناسبة الخوض في مناواة أهل الكتاب للإسلام.
وصدّهم عن سبيل الله، أي صدّهم النّاس عن الدخول في الإسلام مشهور.
والضلال الكفر لأنّه ضياع عن الإيمان، الذي هو طريق الخير والسعادة، فإطلاق الضلال على الكفر استعارة مبنيَّة على استعارة الطريق المستقيم للإيمان.
ووصف الضلال بالبعيد مع أنّ البعد من صفات المسافات هو استعارة البعد لشدّة الضلال وكماله في نوعه، بحيث لا يدرك مقداره، وهو تشبيه شائع في كلامهم: أن يشبّهوا بلوغ الكمال بما يدلّ على المسافات والنهايات كقولهم: بَعيد الغور، وبعيد القعر، ولا نهاية له، ولا غاية له، ورجل بعيد الهمّة، وبعيد المرمَى، ولا منتهى لكبارها، وبحر لا ساحل له، وقولهم: هذا إغراق في كذا.
ومن بديع مناسبته هنا أنّ الضلال الحقيقي يكون في الفيافي والموامِي، فإذا اشتدّ التيه والضلال بَعُدَ صاحبه عن المعمور، فكان في وصفه بالبعيد تعاهد للحقيقة، وإيماء إلى أنّ في إطلاقه على الكفر والجهل نقلًا عرفيًا.
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169)}